العمل عن بُعد ودوره في تمكين المرأة وإتاحة فرص العمل للجميع
شهد العالم في السنوات الأخيرة تحولاً جذرياً في أنماط العمل بفضل التطور التكنولوجي وانتشار الإنترنت. ومن أبرز هذه التحولات صعود العمل عن بُعد كخيار متزايد الأهمية، ليس فقط بسبب الضرورات التي فرضتها الأزمات العالمية مثل جائحة كورونا، بل أيضاً لأنه أثبت فعاليته كوسيلة لتحقيق التوازن بين متطلبات الحياة والعمل. ومن بين الفئات التي استفادت بشكل خاص من هذا النموذج الجديد تأتي المرأة، إذ وفّر لها العمل عن بُعد آفاقاً جديدة للتمكين والمشاركة الفاعلة في سوق العمل.
أحد أبرز التحديات التي تواجه المرأة في المجتمعات المختلفة هو
التوفيق بين مسؤولياتها الأسرية والمهنية. فالكثير من النساء يواجهن صعوبة في
الالتزام بساعات العمل التقليدية بسبب أعباء رعاية الأطفال أو المسؤوليات
المنزلية. هنا يبرز العمل عن بُعد كخيار عملي يمنح المرأة مرونة أكبر في إدارة
وقتها. هذه المرونة تسمح لها بالجمع بين طموحاتها المهنية والتزاماتها العائلية
دون الحاجة إلى التضحية بأحدهما.
إلى جانب تمكين المرأة، يسهم العمل عن بُعد في إتاحة فرص العمل
للجميع، بما في ذلك الفئات التي كانت تعاني سابقاً من محدودية الخيارات. على
سبيل المثال، الأشخاص ذوو الإعاقة يجدون في هذا النمط من العمل فرصة للتغلب على
العقبات الجسدية أو الحواجز المكانية التي كانت تعيق مشاركتهم في سوق العمل
التقليدي. كذلك يتيح العمل عن بُعد فرصاً للموهوبين المقيمين في المناطق النائية
أو المدن الصغيرة، حيث قد تكون فرص التوظيف محدودة مقارنة بالعواصم والمدن الكبرى.
كما أن المؤسسات التي تعتمد على العمل عن بُعد تستفيد من تنوع أكبر في
القوى العاملة، إذ يمكنها استقطاب الكفاءات من مختلف المواقع الجغرافية دون أن
تقيد نفسها بحدود مكانية. هذا التنوع لا يعزز فقط العدالة الاجتماعية، بل يرفع
أيضاً من مستوى الإبداع والإنتاجية داخل المؤسسات.
ولا يقتصر أثر العمل عن بُعد على الجانب الاقتصادي فحسب، بل يمتد إلى
البعد الاجتماعي والثقافي. فحين تحصل المرأة على فرص متكافئة للعمل والمشاركة،
ينعكس ذلك إيجاباً على تمكينها في المجتمع وزيادة استقلاليتها المالية. كما يساهم
في تغيير الصور النمطية المرتبطة بأدوار الجنسين، ويعزز من قيم المساواة والشمولية.
من ناحية أخرى، فإن انتشار العمل عن بُعد يسهم في تقليص الفجوات في
سوق العمل، حيث يصبح معيار التوظيف قائماً على الكفاءة والمهارات بدلاً من
القدرة على التواجد الجسدي في المكتب. وهذا يفتح الباب أمام شريحة أوسع من الأفراد
للمشاركة في النشاط الاقتصادي وتحقيق الاستقلال.
في الختام، يمكن القول إن العمل عن بُعد ليس مجرد وسيلة لتقليل
التكاليف أو التعامل مع الأزمات، بل هو أداة استراتيجية لتمكين المرأة وتوسيع
دائرة فرص العمل للجميع. إن الاستثمار في هذا النموذج وتطوير بيئة داعمة له يمثل
خطوة جوهرية نحو بناء مستقبل عمل أكثر عدلاً وشمولاً، حيث تتاح الفرص على أساس
الموهبة والقدرة لا على أساس المكان أو الظروف الشخصية.
تعليقات
إرسال تعليق