خلاصة كتاب:الورديّة الثانية
خلاصة كتاب
The Second Shift
الورديّة الثانية
لمؤلفه:
آرلي راسل هوشيلد
بمشاركة:
آن ماتشونغ
مقدمة عامة:
يُعد كتاب الورديّة الثانية الذي صدر
لأول مرة عام 1989 ثم أعيدت طباعته لاحقاً مع تحديثات، من أبرز الدراسات
الاجتماعية التي سلطت الضوء على التحولات الكبرى في الحياة الأسرية الحديثة، وخاصة
في الولايات المتحدة. تناولت آرلي هوشيلد بالاشتراك مع آن ماشونغ التحديات التي
تواجه النساء العاملات في التوفيق بين متطلبات العمل المهني خارج المنزل وأعباء
المنزل ورعاية الأطفال داخله. وقد أطلقت المؤلفة على هذه الظاهرة مصطلح "الوردية
الثانية" أو "النوبة الثانية"،
لتشير إلى العبء الإضافي الذي تتحمله النساء بعد انتهاء دوام عملهن الرسمي، إذ
يعدن إلى المنزل ليجدن مسؤوليات لا تقل ثقلاً عن مسؤوليات الوظيفة.
لا يقتصر الكتاب على تقديم إحصاءات
أو قصص فردية، بل يمثل دراسة سوسيولوجية معمقة مبنية على مقابلات طويلة مع أكثر من
خمسين أسرة أميركية من مختلف الطبقات الاجتماعية. ومن خلال هذا العمل، قدمت هوشيلد
أحد أهم الإسهامات لفهم العلاقة بين النوع الاجتماعي والعمل والأسرة، وكشفت عن
التوترات التي تشكل حياة الأسر الحديثة.
خلفية وظروف تأليف الكتاب:
شهدت العقود التي سبقت صدور الكتاب
تغيرات جذرية في أوضاع النساء في الولايات المتحدة والعالم الغربي عموماً. فقد
ارتفعت معدلات مشاركة النساء في سوق العمل بشكل ملحوظ، خاصة بعد الحرب العالمية
الثانية. وبحلول السبعينيات والثمانينيات، أصبحت الأسرة ذات الدخل المزدوج (أي
التي يعمل فيها كلا الزوجين) هي النمط السائد. ومع ذلك، فإن التغير في توزيع
المسؤوليات المنزلية لم يواكب هذا التحول بالسرعة أو الشكل المطلوب.
انطلقت هوشيلد من هذا الواقع لتسأل:
إذا كان الرجال والنساء يعملون خارج المنزل، فمن الذي يقوم بأعمال المنزل ورعاية
الأطفال؟ وهل حدث بالفعل نوع من المساواة في تقاسم المسؤوليات، أم أن النساء
يواجهن "عملًا مزدوجًا" يرهقهن جسدياً ونفسياً؟
مفهوم "الوردية الثانية"
المصطلح الذي صاغته هوشيلد أصبح
أيقونة في دراسات الجندر والعمل. "الوردية الأولى" هي العمل المأجور
الذي يقوم به الرجل والمرأة على حد سواء. أما "الوردية الثانية" فهي
الأعمال غير المأجورة المتمثلة في الطهي والتنظيف ورعاية الأطفال وتنظيم شؤون
الأسرة.
اللافت في نتائج الدراسة أن معظم
النساء اللواتي شملتهن المقابلات كن يقضين ما يعادل شهرًا إضافيًا من العمل
سنوياً مقارنة بأزواجهن بسبب مسؤوليات المنزل. وبعبارة أخرى، فإنهن يعملن
عملياً "دواماً مزدوجاً": في المكتب أو المصنع، ثم في البيت.
هذا المفهوم لم يقتصر على الجانب
الكمي لعدد الساعات، بل شمل أيضاً الجانب النوعي المتمثل في الضغوط النفسية
والإرهاق العاطفي الناتج عن الإحساس بأن عبء الأسرة يقع عليهن بشكل أساسي، حتى لو
كان الزوج يساعد أحياناً.
تصنيفات الأزواج وفق أنماط المشاركة
من خلال مقابلاتها، وضعت هوشيلد
إطاراً تحليلياً لتصنيف مواقف الأزواج تجاه تقاسم الأعمال المنزلية. وقد ميزت بين
ثلاثة أنماط أساسية:
- الأسرة
التقليدية: حيث يرى
الزوج أن مكان المرأة الأساسي هو البيت، حتى لو كانت تعمل خارجه. في هذه
الحالة تبقى مسؤولية الأعمال المنزلية بالكامل تقريباً على المرأة، بينما
يركز الزوج على عمله الخارجي.
- الأسرة
الانتقالية: وهي الأسر
التي يتبنى أفرادها مزيجاً من الأفكار التقليدية والحديثة. قد يسمح الزوج
للمرأة بالعمل، لكنه يتوقع منها أن تظل مسؤولة عن معظم شؤون المنزل. هنا نجد
قدراً بسيطاً من المساعدة من الزوج، لكنه محدود وغير منتظم.
- الأسرة
المتساوية: وهي الأسر
التي يؤمن فيها الزوجان بضرورة المساواة في العمل داخل وخارج المنزل. في هذا
النمط يتقاسم الزوجان مسؤوليات رعاية الأطفال والتنظيف والطهي بشكل أكثر
عدلاً، حتى وإن لم يكن متساوياً تماماً.
وجدت هوشيلد أن النمط الثالث كان
الأقل شيوعاً في الثمانينيات، بينما يظل النمط الانتقالي هو الأكثر انتشاراً. وهذا
يعكس التناقض بين تقدم النساء في سوق العمل وبطء تغير الأدوار التقليدية داخل
الأسرة.
الأبعاد النفسية والعاطفية
لم يقتصر تأثير "الوردية
الثانية" على الجانب الجسدي، بل امتد إلى الحالة النفسية والعاطفية للنساء.
فقد سجلت هوشيلد شعور العديد من النساء بالإرهاق المستمر، والإحباط من غياب
المساندة الكافية من أزواجهن.
كما برزت مشكلة الإجهاد العاطفي،
حيث تتحمل النساء عبء "الإدارة الذهنية" للأسرة: التخطيط للوجبات، تنظيم
المواعيد، متابعة الواجبات المدرسية، وحفظ تفاصيل الحياة اليومية. هذا النوع من
العمل غير المرئي لا يُحسب ضمن ساعات العمل التقليدية، لكنه يتطلب جهداً ذهنياً
وعاطفياً كبيراً.
وقد أدى ذلك في حالات كثيرة إلى
توترات زوجية، وشعور بعض النساء بأنهن في سباق دائم مع الوقت، مما أثر على رضاهن
عن حياتهن الشخصية والمهنية معاً.
الفروق الطبقية والاقتصادية
ركز الكتاب أيضاً على البعد الطبقي،
إذ لاحظت هوشيلد أن النساء من الطبقة المتوسطة والعليا قد يلجأن إلى شراء خدمات
منزلية (مثل الاستعانة بمربية أو خادمة) لتخفيف العبء. أما النساء من الطبقات
العاملة فكن أقل قدرة على ذلك، مما جعلهن يعانين بشكل مضاعف من ضغوط العمل والأسرة.
غير أن حتى الأسر الميسورة لم تكن
بمنأى عن المشكلة، لأن الاستعانة بمساعدة خارجية لا تعفي المرأة من المسؤولية
النهائية عن إدارة شؤون المنزل وضمان سير كل شيء على ما يرام.
انعكاسات على الأطفال
ناقشت هوشيلد تأثير هذه الديناميكيات
على الأطفال. فالأطفال في الأسر التي يغيب فيها التوازن قد يشعرون بتوترات بين
الوالدين أو بقلة الاهتمام من أحدهما. وفي المقابل، فإن الأسر المتساوية غالباً ما
تقدم نموذجاً إيجابياً للأطفال حول المساواة بين الجنسين وتقاسم المسؤوليات، مما
ينعكس على تشكيل قيمهم ومواقفهم المستقبلية.
الحلول المطروحة
لم يقتصر الكتاب على وصف المشكلة، بل
ناقش بعض المسارات الممكنة للتغيير. ومن أبرز ما طرحته المؤلفة:
- تغيير
الثقافة المجتمعية: بحيث
يُنظر إلى أعمال المنزل ورعاية الأطفال باعتبارها مسؤولية مشتركة بين الرجل
والمرأة، لا مجرد "واجب أنثوي".
- إصلاحات
مكان العمل: مثل
سياسات الإجازات المرنة، وساعات العمل الأقصر، وإجازات الأبوة التي تشجع
الرجال على المشاركة في رعاية الأطفال.
- إعادة
التفاوض داخل الأسرة: أي أن
يتحدث الأزواج بصدق حول توزيع الأعباء، وأن يتعاملوا مع أعمال المنزل
باعتبارها جزءاً من "عقد اجتماعي" داخلي يحتاج إلى العدالة
والتوازن.
- دور
الدولة والسياسات العامة: من خلال
توفير خدمات حضانة بأسعار معقولة، وتشجيع نماذج العمل المرن، مما يخفف من
الضغوط على الأسر.
أثر الكتاب وانتشاره
أحدث الكتاب تأثيراً واسعاً في
النقاشات الأكاديمية والسياسية حول النوع الاجتماعي والعمل. وقد أصبح مصطلح
"الوردية الثانية" جزءاً من قاموس الدراسات النسوية والسوسيولوجية.
في السنوات التي تلت صدوره، استُخدم
الكتاب كمرجع رئيسي لفهم التحديات التي تواجه النساء العاملات، كما ألهم دراسات
جديدة تناولت قضايا مثل "الإجهاد العاطفي" و"الإدارة
الذهنية". كما أنه ساعد في دفع النقاش حول ضرورة إدخال سياسات داعمة للأسر في
بيئات العمل.
استمرار صلاحية الكتاب اليوم
على الرغم من مرور أكثر من ثلاثة
عقود على صدور الكتاب، فإن الكثير مما طرحته هوشيلد لا يزال صالحاً حتى اليوم.
فرغم التقدم الحاصل في بعض المجتمعات فيما يخص مشاركة الرجال في الأعمال المنزلية،
إلا أن الفجوة لا تزال قائمة. وتؤكد الدراسات الحديثة أن النساء في معظم بلدان
العالم ما زلن يتحملن نصيباً أكبر من "العمل غير المأجور".
وفي ظل التغيرات المعاصرة مثل العمل
عن بُعد وتوسع الاقتصاد الرقمي، ظهرت تحديات جديدة قد تزيد من صعوبة الفصل بين
العمل المهني والعمل المنزلي، مما يعيد إحياء نقاشات الكتاب في سياقات حديثة.
خلاصة عامة
كتاب The
Second Shift لا يقتصر على كونه دراسة اجتماعية عن توزيع الأعمال المنزلية، بل هو
مرآة تعكس التناقضات الكبرى في المجتمع الحديث: التقدم في مجال المساواة الرسمية
بين الجنسين، مقابل استمرار الممارسات التقليدية داخل الأسر.
أبرز ما يكشفه الكتاب هو أن المساواة
الحقيقية لا تتحقق بمجرد دخول النساء سوق العمل، بل تتطلب إعادة هيكلة شاملة للقيم
الاجتماعية، وسياسات العمل، وأشكال التفاعل داخل الأسرة.
ومن خلال لغته البحثية المدعومة
بالشهادات الحية، أظهر الكتاب أن قضية "الوردية الثانية" ليست مجرد
مسألة شخصية أو أسرية، بل قضية اجتماعية عامة تمس الاقتصاد، والسياسة، والنظام
الثقافي برمته.
تعليقات
إرسال تعليق