خلاصة كتاب: إمبراطورية الذكاء الاصطناعي
خلاصة كتاب
Empire of AI
إمبراطورية الذكاء الاصطناعي
لمؤلفه
كارين هاو
المقدمة:
يأتي كتاب "
إمبراطورية الذكاء الاصطناعي
" للصحفية
كارين هاو ليكشف عن القصة الداخلية لشركة اوبن A I، الشركة التي أصبحت رمزاً للذكاء الاصطناعي
الحديث، والتي يقودها سام ألتمان. يتناول الكتاب التحولات التي مرت بها الشركة منذ
تأسيسها، وكيف انتقلت من منظمة غير ربحية ذات رؤية مثالية إلى كيان عملاق يتصرف
وكأنه إمبراطورية تسعى للسيطرة على المستقبل الرقمي. تركز المؤلفة على التناقض بين
الأحلام الوردية التي يرفعها مؤسسو الشركة حول تحسين البشرية عبر الذكاء
الاصطناعي، وبين الكوابيس المرتبطة باستغلال البشر والموارد الطبيعية وتراكم
السلطة في أيدي قلّة.
النشأة والرؤية:
تأسست
الشركة
عام 2015 بهدف معلن هو تطوير ذكاء
اصطناعي عام آمن يخدم الإنسانية بأسرها. جاء التأسيس كرد فعل على المخاوف من أن
شركات كبرى قد تحتكر تطوير هذه التكنولوجيا وتستخدمها بطرق قد تضر بالمجتمع. ساهم
في تأسيسها شخصيات بارزة مثل سام ألتمان، جريج بروكمان، وإيليا سوتسكيفر، وكان من
بين الداعمين إيلون ماسك. منذ البداية، حمل المشروع في طياته تناقضاً: فهو يسعى
لتحقيق منفعة جماعية شاملة، لكنه يحتاج إلى موارد مالية وتقنية هائلة لا يمكن
توفيرها إلا عبر شراكات تجارية مع شركات كبرى.
التحول نحو الربح......
مع توسع الأبحاث في مجال الذكاء
الاصطناعي، وخاصة الحاجة إلى موارد حوسبة ضخمة وبيانات هائلة، وجدت OpenAI نفسها
مضطرة لتغيير بنيتها. فأنشأت نموذجاً "مختلطاً" يجمع بين الطابع غير
الربحي والطابع الربحي المحدود. هذا التحول سمح لها بجذب استثمارات ضخمة، أبرزها
من شركة مايكروسوفت، لكنه في الوقت نفسه خلق تناقضاً بين هدف "خدمة
البشرية" ومصالح المستثمرين الباحثين عن عوائد مالية.
بدأت فلسفة الشركة تتركز حول فكرة
"التوسع"، أي أن زيادة حجم النماذج والبيانات والحوسبة سيؤدي تلقائياً
إلى تحقيق ذكاء اصطناعي أكثر تقدماً، وربما الوصول إلى الذكاء الاصطناعي العام.
هذه الرؤية التوسعية أصبحت بمثابة عقيدة داخلية تدفع الشركة إلى السعي وراء المزيد
من الموارد مهما كانت التكلفة.
النمو التجاري وتكاليفه البشرية......
مع طرح منتجات مثل شات جي
بي تي ، أصبحت اوبن A I لاعباً تجارياً كبيراً، ولم تعد مجرد مؤسسة بحثية. انتشار منتجاتها
جلب الشهرة والأرباح، لكنه خلق أيضاً ضغوطاً هائلة على الشركة لتسريع وتيرة
التطوير والإطلاق.
من أبرز النقاط التي يثيرها الكتاب
هوالاعتماد على عمالة منخفضة الأجر في دول مثل كينيا
وفنزويلا. هؤلاء العمال كُلّفوا بمهام صعبة مثل تصنيف البيانات أو التعامل مع
محتوى صادم وعنيف بغرض "تنظيف" البيانات التي تُستخدم في تدريب النماذج.
كثير منهم تعرضوا لأذى نفسي بسبب طبيعة المحتوى، ومع ذلك كانت أجورهم زهيدة. هذا
النموذج يعكس بوضوح أن "الأحلام التقنية" في الشمال العالمي غالباً ما
تُبنى على حساب معاناة غير مرئية في الجنوب العالمي.
القضايا الأخلاقية والشفافية.....
أحد الجوانب المثيرة للجدل في مسيرة الشركة هو
تراجعها التدريجي عن مبدأ الشفافية المفتوحة. في البداية كانت الشركة تنشر معظم
أبحاثها للجميع، لكنها مع مرور الوقت بدأت تحجب كثيراً من التفاصيل التقنية بحجة
الحفاظ على الأمان أو حماية ميزة تنافسية. هذا التحول جعل من الصعب على الباحثين
المستقلين أو المؤسسات الأكاديمية أن يشاركوا بفاعلية في تطوير المجال.
إضافة إلى ذلك، تعرّضت فرق
الأخلاقيات والسلامة داخل الشركة لضغوط متزايدة. ففي كثير من الحالات، كانت
القرارات التجارية تتقدم على التحذيرات المتعلقة بالمخاطر أو الأثر الاجتماعي.
النزاع بين من يرون ضرورة الحذر وبين من يدفعون نحو التوسع السريع أصبح سمة بارزة داخل
الشركة.
الأثر البيئي
تدريب النماذج العملاقة يتطلب مراكز
بيانات ضخمة تستهلك كميات هائلة من الكهرباء والمياه. يشير الكتاب إلى أن بعض هذه
المراكز أقيمت في مناطق تعاني من ندرة الموارد، مما أثار احتجاجات محلية. استهلاك
المياه لأغراض التبريد، واستنزاف الطاقة من شبكات هشة في بعض البلدان، جعلا الذكاء
الاصطناعي يحمل بصمة بيئية ثقيلة.
هذا البعد البيئي غالباً ما يُهمل في
النقاشات العامة، لكن الكاتبة تصرّ على أنه جزء أساسي من
"الإمبراطورية": إذ كما استغلت الإمبراطوريات القديمة موارد المستعمرات
البعيدة، تستغل الشركات التقنية الحديثة موارد طبيعية وبشرية بعيدة عن أنظار
المستهلك الغربي.
تجميع السلطة والمعرفة...
مع توسع
اوبن A I ، أصبحت قادرة على جذب
أفضل المواهب من الجامعات والمؤسسات الأخرى. الأجور العالية والفرص الضخمة دفعت
الكثير من الباحثين إلى ترك الأوساط الأكاديمية والانضمام إلى الشركة. هذه العملية
أدت إلى تركّز هائل للمعرفة التقنية داخل عدد محدود من الشركات الكبرى، مما يقلل
من إمكانيات التنافس أو الابتكار المفتوح.
السيطرة لا تقتصر على الكفاءات
البشرية فقط، بل تشمل البيانات، الخوارزميات، البنية التحتية للحوسبة، وحتى
العلاقة مع الحكومات وصنّاع القرار. هذا التركّز يثير تساؤلات حول من يملك الحق في
رسم مستقبل البشرية التقني.
الصراعات الداخلية.....
الكتاب يكشف أيضاً عن صراعات حادة
داخل اوبن A I نفسها. أبرزها الأزمة التي اندلعت في نوفمبر 2023
عندما حاول مجلس الإدارة إقالة سام ألتمان، المدير التنفيذي، بسبب مخاوف تتعلق
بالشفافية وطريقة اتخاذ القرارات. غير أن الموظفين والمستثمرين ضغطوا بقوة
لإعادته، مما كشف عن الانقسام العميق بين من يريدون تباطؤاً وحذراً ومن يريدون
تسريع وتيرة التطوير مهما كان الثمن. هذه الأزمة كانت لحظة فارقة أظهرت هشاشة
الحوكمة الداخلية للشركة.
الأحلام والكوابيس.......
الأحلام التي تروّج لها اوبن A I تتمثل في أن الذكاء الاصطناعي سيغيّر
العالم للأفضل: تحسين التعليم، تطوير الرعاية الصحية، حل مشكلات معقدة مثل تغير
المناخ أو الفقر. هناك إيمان راسخ لدى قادة الشركة أن الوصول إلى ذكاء عام متقدّم
سيُحدث ثورة شاملة في حياة البشر.
لكن الكوابيس التي يرصدها الكتاب
عديدة. أولها الأثر الاجتماعي غير العادل، حيث يدفع الفقراء والعمال في الجنوب
العالمي الثمن بينما يستفيد الأثرياء والشركات الكبرى. ثانيها المخاطر على
الديمقراطية والحوكمة، إذ أن القرارات المصيرية المتعلقة بهذه التكنولوجيا تُتخذ
خلف أبواب مغلقة. ثالثها الأثر البيئي الذي قد يصبح كارثياً مع توسع مراكز
البيانات. وأخيراً الخطر التقني نفسه، إذ أن تطوير ذكاء اصطناعي عام قد يتجاوز
حدود السيطرة البشرية.
استعارة الإمبراطورية
تصف الكاتبة
اوبن A I بأنها إمبراطورية لأن سلوكها يشبه سلوك الإمبراطوريات التاريخية في
جوانب عديدة:
- استغلال
الموارد الطبيعية والبشرية خارج حدودها المباشرة.
- السعي
للتوسع المستمر وتعزيز النفوذ.
- ادعاء
حمل رسالة "حضارية" أو "منفعة عامة" بينما تُمارس أنشطة
تنطوي على استغلال وعدم مساواة.
هذا التشبيه يهدف إلى تسليط الضوء
على أن الذكاء الاصطناعي ليس مجرد مجال تقني محايد، بل أداة سلطة تُعيد إنتاج
أنماط الهيمنة القديمة في شكل جديد.
التوصيات المستقبلية
تخلص الكاتبة إلى مجموعة من التوصيات
التي ترى أنها ضرورية لتصحيح المسار:
- ضرورة
وجود تنظيم حكومي ودولي أكثر صرامة يفرض الشفافية ويحد من استغلال العمال
والموارد.
- إعادة
دعم الأبحاث المستقلة والمفتوحة حتى لا تحتكر الشركات الكبرى المجال بأكمله.
- حماية
حقوق المجتمعات المحلية والعمال الذين يتحملون عبء هذا التطور.
- تعزيز
الوعي العام بحيث يفهم المواطنون التكاليف الحقيقية وراء استخدام الذكاء
الاصطناعي.
- البحث
عن بدائل تقنية أكثر استدامة وأقل اعتماداً على استنزاف الموارد.
الخاتمة:
يقدم كتاب
إمبراطورية الذكاء الاصطناعي صورة متوازنة لكنها حادة: الذكاء الاصطناعي يحمل
وعوداً عظيمة، لكنه في مساره الحالي يكرّس أنماطاً من الاستغلال والهيمنة البيئية
والبشرية. قصة اوبن A I هي في جوهرها قصة عن التوتر بين الأحلام والكوابيس، بين الأمل في
مستقبل أفضل والخوف من تكرار أخطاء الماضي في ثوب جديد.
إن مستقبل الذكاء الاصطناعي لن يتحدد
فقط بالقدرات التقنية، بل أيضاً بالخيارات الأخلاقية والسياسية والاجتماعية التي
تتخذها البشرية اليوم. وهنا يكمن جوهر الرسالة التي تحملها كارين هاو: إذا لم
نواجه الإمبراطورية الناشئة بقوانين وضوابط ومساءلة، فقد نجد أنفسنا أمام قوة
تكنولوجية تخرج عن السيطرة، وتعيد تشكيل العالم على نحو لا يخدم الجميع.
تعليقات
إرسال تعليق