الذكاء الاصطناعي والتمييز: كيف تعيد الخوارزميات إنتاج التحيّزات البشرية؟

 

أصبح الذكاء الاصطناعي جزءاً لا يتجزأ من حياتنا اليومية، بدءاً من التوصيات التي تقدمها منصات التسوق، مروراً بأنظمة التوظيف، وصولاً إلى أدوات التشخيص الطبي. وعلى الرغم من أن هذه التقنيات صُممت لتكون محايدة وموضوعية، إلا أن الدراسات أثبتت أن الخوارزميات قد تعيد إنتاج التحيّزات البشرية الموجودة في البيانات التي تُدرَّب عليها. هذه الظاهرة تثير تساؤلات جوهرية حول العدالة والمساواة في عصر التحول الرقمي.

كيف تنشأ التحيّزات في الخوارزميات؟
الذكاء الاصطناعي يتعلم من البيانات، وهذه البيانات غالباً ما تُجمع من العالم الواقعي الذي يتسم بوجود تحيّزات تاريخية واجتماعية. إذا كانت البيانات تحتوي على أنماط تمييزية ضد فئة معينة، فإن الخوارزميات ستلتقط هذه الأنماط وتعيد إنتاجها. على سبيل المثال، إذا اعتمد نظام توظيف على بيانات سابقة تعكس تفوقاً عدديّاً للذكور في مناصب قيادية، فقد يفضل النظام الذكور بشكل تلقائي عند ترشيح المتقدمين.

أمثلة على التمييز الخوارزمي
هناك حالات عديدة أثارت الجدل حول هذا الموضوع. على سبيل المثال، أظهرت بعض أنظمة التعرف على الوجه معدلات خطأ أعلى عند التعرف على ذوي البشرة الداكنة مقارنة بذوي البشرة الفاتحة. كما أُشير إلى أن بعض أنظمة تقييم الجدارة الائتمانية قد تمنح درجات أقل للأقليات العرقية أو المناطق الفقيرة، حتى لو كانت القدرة على السداد متساوية.

الأثر المجتمعي لهذه التحيّزات
إعادة إنتاج التمييز من خلال الخوارزميات يعمّق الفجوات الاجتماعية بدلاً من ردمها. فالقرارات المؤتمتة التي تؤثر على التوظيف أو القروض أو حتى الرعاية الصحية يمكن أن تحرم فئات كاملة من فرص عادلة، مما يعزز من عدم المساواة. الأخطر من ذلك أن الخوارزميات تُضفي على هذه القرارات "شرعية تقنية" قد تجعل من الصعب الطعن فيها أو حتى ملاحظتها.

كيف يمكن الحد من التحيّزات؟
مكافحة التحيّز الخوارزمي تتطلب جهوداً متعددة المستويات. أولاً، يجب أن تتنوع فرق تطوير الذكاء الاصطناعي من حيث الخلفيات والثقافات، لضمان وجهات نظر شاملة. ثانياً، ينبغي اعتماد تقنيات "التدقيق الخوارزمي" لمراجعة النماذج بشكل دوري والكشف عن الانحيازات. ثالثاً، يجب تحسين جودة البيانات من خلال تمثيل متوازن لمختلف الفئات المجتمعية. وأخيراً، يلزم وضع أطر تشريعية واضحة تُلزم الشركات بالشفافية والمساءلة في استخدام الخوارزميات.

خاتمة
الذكاء الاصطناعي ليس معزولاً عن التحيّزات البشرية، بل قد يصبح مرآة تضخّمها إذا لم تتم معالجتها بعناية. إدراك هذه المخاطر واتخاذ خطوات عملية للحد منها هو السبيل لضمان أن تكون التكنولوجيا أداة للعدالة والمساواة، لا وسيلة لتعميق الانقسامات. المستقبل الرقمي العادل يتطلب خوارزميات تعكس أفضل ما في الإنسانية، لا أسوأ ما فيها.