الذكاء الاصطناعي في الحروب: من يضغط الزر؟ الإنسان أم الخوارزمية؟
شهدت العقود الأخيرة تطوراً هائلاً في تقنيات الذكاء الاصطناعي، ولم يعد هذا التطور مقتصراً على مجالات الاقتصاد أو التعليم أو الطب، بل امتد ليصل إلى ساحة الصراعات العسكرية. وهنا يطرح سؤال جوهري: من يضغط الزر في ساحة المعركة الحديثة؟ هل هو الإنسان بوعيه وخبرته، أم الخوارزمية بقدرتها الفائقة على تحليل البيانات واتخاذ القرارات في أجزاء من الثانية؟
لقد دخل الذكاء الاصطناعي إلى ميدان الحرب عبر عدة أشكال، من الطائرات
المسيرة ذاتية القيادة إلى أنظمة المراقبة والاستطلاع وتحليل البيانات
الاستخباراتية. تمتلك هذه التقنيات قدرة غير مسبوقة على جمع المعلومات الضخمة،
معالجتها فورياً، واقتراح قرارات تكتيكية واستراتيجية. هذا التطور يجعل دور
الإنسان يبدو أقل مركزية مقارنة بالعصور السابقة، حيث كانت القرارات الحاسمة تقع
بالكامل على عاتق القادة العسكريين.
لكن رغم الإمكانات الهائلة لهذه التقنيات، يظل الجانب الأخلاقي
والسياسي حاضراً بقوة. فالتفويض الكامل للخوارزميات في إطلاق النيران أو تحديد
الأهداف يثير جدلاً واسعاً حول المسؤولية. إذا ارتكب نظام آلي خطأ قاتلاً، فمن
يتحمل تبعاته؟ هل هي الجهة المطوّرة للتقنية؟ أم الجيش الذي استخدمها؟ أم أن اللوم
يقع على غياب التشريعات التي تنظم هذا المجال؟
من جهة أخرى، يرى مؤيدو الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في الحروب أن
الخوارزميات يمكن أن تقلل الخسائر البشرية بين الجنود، لأنها قادرة على تنفيذ مهام
خطيرة بدقة وسرعة أعلى من البشر. كما أن هذه الأنظمة لا تتأثر بالخوف أو التعب،
مما يجعلها أكثر ثباتاً في ظروف القتال الشديدة. ومع ذلك، فإن غياب المشاعر
الإنسانية يعني أيضاً غياب الرحمة، وهو ما قد يحول الحرب إلى عملية حسابية باردة،
تفتقر إلى أي اعتبار أخلاقي أو إنساني.
الدول الكبرى باتت تستثمر مليارات الدولارات في سباق تسلح جديد قائم
على الذكاء الاصطناعي. الولايات المتحدة، الصين، وروسيا تتسابق لتطوير أنظمة
عسكرية ذكية، في ظل غياب اتفاقيات دولية حاسمة تضبط استخدام هذه التقنيات. هذا
الواقع يثير مخاوف من نشوب صراعات مستقبلية تُدار بالكامل بواسطة الخوارزميات، ما
قد يضع البشرية أمام مخاطر غير مسبوقة.
إن السؤال "من يضغط الزر؟" لا يتعلق فقط بالجانب التقني، بل
يعكس أزمة أعمق تتعلق بمستقبل الحروب ومكانة الإنسان فيها. هل سيظل الإنسان هو
صاحب القرار النهائي، أم سيتحول إلى مجرد مشرف على آلات تتخذ القرارات بنفسها؟
الإجابة عن هذا السؤال ستحدد ليس فقط ملامح الجيوش الحديثة، بل أيضاً مستقبل الأمن
والسلم الدوليين.
في النهاية، الذكاء الاصطناعي في الحروب هو سلاح ذو حدين. يمكن أن
يساهم في حماية الأرواح إذا استُخدم بوعي ووفق أطر قانونية صارمة، لكنه قد يصبح
خطراً وجودياً إذا تُرك دون ضوابط. لذا يبقى التحدي الأكبر هو إيجاد توازن بين
الاستفادة من قدراته التقنية، وضمان بقاء القرار الأخلاقي والإنساني في يد البشر.
تعليقات
إرسال تعليق