الخوارزميات تقرر عنك: كيف يوجّه الذكاء الاصطناعي اختياراتنا اليومية؟
في عالم يزداد فيه الاعتماد على التكنولوجيا، أصبحت الخوارزميات والذكاء الاصطناعي تتحكم في جوانب دقيقة من حياتنا اليومية. من اختيار الفيلم الذي نشاهده مساءً، إلى المنتج الذي نشتريه عبر الإنترنت، بل وحتى الأخبار التي نطّلع عليها، تتسلل الخوارزميات لتلعب دور "العقل الخفي" الذي يوجه قراراتنا دون أن ننتبه في كثير من الأحيان.
الخوارزمية، ببساطة، هي مجموعة من التعليمات التي تُبرمج لتقوم بمهام
محددة بناءً على مدخلات معيّنة. في سياق الذكاء الاصطناعي، تصبح هذه الخوارزميات
أكثر تعقيدًا وذكاءً، حيث تتعلم من سلوك المستخدم وتتكيف معه. فعندما تشاهد فيديو
على منصة يوتيوب أو تضع إعجابًا على منشور فيسبوك، فإنك تغذي خوارزميات تلك
المنصات بمعلومات تُمكّنها من توقّع ما يعجبك لاحقًا وتوجيهك نحوه.
تأثير الخوارزميات لا يقتصر على الترفيه أو التسوق فحسب، بل يمتد إلى
قرارات أعمق تتعلق بتشكيل الرأي العام، واختيار الوظائف، وحتى العلاقات الشخصية.
فعلى سبيل المثال، تقوم بعض تطبيقات المواعدة بترشيح شركاء محتملين بناءً على
تحليل بياناتك الشخصية وتفاعلاتك السابقة، بينما تقوم مواقع التوظيف بتصفية السير
الذاتية آليًا قبل أن تصل إلى يد مسؤول الموارد البشرية.
وهنا تكمن الإشكالية: في حين أن الذكاء الاصطناعي يقدّم خدمات مريحة
ويوفر الوقت، إلا أنه في الوقت ذاته يحد من تنوّع اختياراتنا ويؤثر في حريتنا
المعرفية. فبدلًا من أن نستكشف بأنفسنا، نُقدَّم على طبقٍ من ذهب اختيارات تم
تشكيلها وفقًا لخوارزميات تهدف إلى جذب انتباهنا لأطول وقت ممكن أو دفعنا نحو قرار
شرائي معيّن.
الخطر الأكبر يتمثل في ما يُعرف بـ"فقاعات التصفية"، حيث لا
يرى المستخدم إلا ما يؤكد قناعاته، مما يعزز الانغلاق الفكري ويضعف التعرّض لوجهات
النظر المختلفة. كما أن خوارزميات الذكاء الاصطناعي قد ترسّخ التحيزات الاجتماعية
والعرقية إذا لم تُصمم بعناية ومسؤولية.
لذلك، من الضروري أن نتعامل مع الخوارزميات بوعي ونقد. علينا أن نسأل
أنفسنا: من الذي كتب هذه الخوارزميات؟ ما الهدف منها؟ هل تخدمني حقًا أم تخدمني
جزئيًا وتخدم مصالح أخرى؟
الذكاء الاصطناعي ليس عدوًا، لكنه ليس محايدًا أيضًا. فهم آلية عمله
ومراقبة تأثيره على اختياراتنا اليومية هو الخطوة الأولى نحو استعادة جزء من
السيطرة على قراراتنا في هذا العصر الرقمي المتسارع.
تعليقات
إرسال تعليق