هل الذكاء الاصطناعي يُعزز العدالة أم يعمّق الفجوة الاجتماعية؟
هل الذكاء الاصطناعي يُعزز العدالة أم يعمّق الفجوة الاجتماعية؟
في عصر تتسارع فيه الابتكارات التقنية بشكل غير مسبوق، يتصدر الذكاء
الاصطناعي مشهد التغيير العالمي. ومع اتساع استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في
مختلف القطاعات، يبرز تساؤل جوهري: هل الذكاء الاصطناعي يُعزز العدالة ويحقق
المساواة، أم يُسهم في تعميق الفجوة الاجتماعية والاقتصادية بين فئات المجتمع؟
الذكاء الاصطناعي هو مجموعة من التقنيات التي تتيح للآلات تحليل
البيانات، واتخاذ القرارات، والتعلم من التجارب. وقد بات حاضرًا في التعليم،
والرعاية الصحية، والتوظيف، وحتى في اتخاذ القرارات الحكومية. هذه القدرة الهائلة
تُظهر وعودًا بتحقيق عدالة أكبر في توزيع الفرص، خصوصًا في مجتمعات تعاني من
التفاوت.
لكن الحقيقة أكثر تعقيدًا.
من ناحية، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يُسهم في تحقيق العدالة
الاجتماعية من خلال تحسين الوصول إلى الخدمات. على سبيل المثال، يمكن للأنظمة
الذكية تحليل بيانات الطلاب في المدارس وتحديد من يحتاج إلى دعم إضافي، مما يوفّر
فرصًا تعليمية متكافئة. كما تساعد تقنيات الذكاء الاصطناعي في تشخيص الأمراض
مبكرًا، ما يعني إنقاذ أرواح في مناطق نائية تفتقر إلى الأطباء المتخصصين.
لكن من ناحية أخرى، هناك خطر من أن يعمّق الذكاء الاصطناعي الفجوة
الاجتماعية إذا لم يُستخدم بشكل مسؤول. فخوارزميات الذكاء الاصطناعي تعتمد على
البيانات، وإذا كانت تلك البيانات منحازة، فإن القرارات الناتجة ستكون بدورها غير
عادلة. على سبيل المثال، قد تتخذ أنظمة التوظيف قرارات تفضّل مرشحين من خلفيات
اجتماعية معينة بناءً على أنماط سابقة لا تعكس الإنصاف.
الأمر لا يتوقف عند التحيّز فقط، بل يشمل أيضًا الفجوة في الوصول إلى
هذه التقنيات. الدول الغنية والمؤسسات الكبرى تمتلك الموارد لتطوير وتبني الذكاء
الاصطناعي، في حين تظل الدول النامية وأفراد الطبقات الفقيرة في موقع المتفرج.
وهذا قد يؤدي إلى تركيز الثروة والسلطة في أيدي قلة، مما يعمّق الفجوة بدلًا من
ردمها.
الحل لا يكمن في رفض الذكاء الاصطناعي، بل في بناء أطر أخلاقية
وتشريعات تضمن استخدامًا منصفًا له. يجب أن تكون هناك رقابة على خوارزميات الذكاء
الاصطناعي، ومشاركة مجتمعية في صياغة السياسات التقنية، وتوفير فرص تعليم رقمي
متساوية للجميع.
إن الذكاء الاصطناعي أداة قوية، ويعتمد تأثيرها على كيفية استخدامها.
فإما أن تكون وسيلة لتعزيز العدالة الاجتماعية، أو أداة تكرّس التمييز وتعمّق
الفجوات. لذلك، من الضروري أن تتحمّل المجتمعات، خصوصًا في العالم العربي، مسؤولية
تبنّي الذكاء الاصطناعي بشكل يضمن المصلحة العامة، لا الفائدة الفردية فقط.
تعليقات
إرسال تعليق